يوم الأحد الماضي توجه الأرجنتينيون إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بصوتهم في الانتخابات التمهيدية، التي طرحت تساؤلاً محيراً بالنسبة للناخبين، مؤداه: كيف يمكن الاختيار بين الحملات السياسية التي تشيطن بعضها البعض باعتبارها مجسّدا للدمار، والتي سارع مرشحوها للادعاء بأنهم ينتمون للوسط؟
لسماع ذلك من الناحية الرسمية، يعد الرئيس الحالي «موريسيو ماكري»، زعيم حزب «دعونا نغير» هو الدعامة الأساسية في البلاد ضد العودة إلى الشعبوية الاستبدادية التي من شأنها أن تحول ثاني أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية إلى «فنزويلا أخرى» على نهر «بليت». ومع ذلك، بالنسبة لخصومه، «ألبيرتو فيرنانديز» و«كريستينا فيرنانديس دي كيتشنر»، يعد «ماكري» هو أداة الليبراليين الجدد الذين سيؤدي تقشفهم إلى خنق الاقتصاد وامتصاص دماء الفقراء، «ماكري» حصل على 32 في المائة من الأصوات في انتخابات الأحد الماضي.
ومعظم هذا ما هو إلا مسرح سياسي لتنشيط المؤمنين في الحزب قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في أكتوبر القادم. ومع ذلك، إذا أخرجنا المتكلفين، فإن ما يتبقى هو معركة بين المرشحَين الأكثر تنافسا بين المرشحين الرئاسيين العشرة للمطالبة بنفس المساحة السياسية الضيقة وتصويت المعتدلين في الوسط. هذا التقارب بين المرشحين هو أكثر من مجرد أسلوب سياسي. فهو يوضح أيضا كيف تغير الناخبون الأرجنتينيون نحو الأفضل، حيث يطالب الناخبون الذين دمرتهم الأزمة بخطط ومقترحات، لا بأشعة القمر. يشكل «ألبيرتو فيرنانديز»، وهو معتدل وتصالحي يرأس جبهة المعارضة، تناقضاً حاداً مع رفيقته في الانتخابات «كريستينا فيرنانديز» –المعروفة للجميع ببساطة باسم كريستينا – وهي عضوة في الحزب البيروني (أو العدلي -حزب سياسي أرجنتيني) والتي تسببت شعبويتها التي دمرت الثروات على مدى ثماني سنوات في شل الاقتصاد وعزلة الملايين من الأرجنتينيين. أما «ماكري»، فهو عازم على تسويق حملته النضالية باسم جديد، حيث اختار «ميجل أنجيل بيتشتو» رفيقا له في الانتخابات، وهو وسيط السلطة التشريعية في الحزب العدلي.
ولا يوجد الكثير من الوضوح بين مواقفهم السياسية. فإذا تعرض «ماكري» للإهانة بسبب إصلاحاته المؤيدة للأعمال، وإجراءات التقشف وإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فماذا يمكن القول عن «فيرنانديز»، وهو براجماتي استقال من منصبه ككبير موظفي «كريستينا» بسبب سياساتها الداعية إلى سيطرة الدولة على الاقتصاد، ومعاركها مع قادة الصناعة ووسائل الإعلام الوطنية. وعندما كانت تشغل منصب الرئيس، كانت «كريستينا» كثيراً ما تنتقد مزارعي الأرجنتين الأقوياء. أما «فيرنانديز» فقد كان يخطب ودهم، حيث اقترح خفض الضرائب على الصادرات الزراعية إذا كان الاقتصاد يحقق نموا.
إن التقارب منطقي في دولة لم يؤد فيها التنافر السياسي إلا إلى تفاقم المحن الاقتصادية المزمنة. فالاقتصاد في حالة ركود، وبلغ معدل البطالة أعلى مستوى في 13 عاما، وتجاوز التضخم 50%. من المؤكد أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تعطي المزارعين الأرجنتينيين صحوة مؤقتة. ومع ذلك، فإن الاضطرابات العالمية تضع ضغطا إضافيا على العملة الأرجنتينية «البيزو» المتقلب، والذي يعتبر بالفعل أضعف عملة في الأسواق الناشئة.
حتى إذا كان المحللون يقولون إن الاقتصاد يستجيب للإصلاحات، فإن التضحية واسعة الانتشار. أفاد استطلاع للرأي أجرته الجامعة الكاثوليكية في الأرجنتين في شهر يونيو أن أكثر من ثلث سكان الأرجنتين الحضريين فقراء ويعيش نصف الأطفال تقريبا على أقل من احتياجاتهم. وفي بيونس آيريس، التي تضم 28% من الناخبين الوطنيين، تعيش أسرة من كل أسرتين في فقر. وتكمل موجة الجريمة في المناطق الحضرية والفساد المجدد هذه اللوحة الكئيبة التي تخلق فرصة للشعبويين.
ولا تكاد الشعبوية الأرجنتينية تموت، لكنها خفت قليلا، كما يتضح من تحول الحملة إلى البيرونية (العدالة الاجتماعية). يقول المؤرخ الأرجنتيني «فيديريكو فينشلشتاين» إن«العلامة التجارية البيرونية موجودة في كل مكان، لكنها حياة الشعبوية». والبيرونية، على أي حال تمتد بشكل مناسب في جميع أرجاء الطيف السياسي. وتتناسب هذه الحركة مع مجتمع لا يزال مغرما بسياسات الشخصية ولكن -ربما لأن ذكريات الديكتاتورية لا تزال حية- فإنه لا يشعر بالراحة مع أيديولوجيات اليوم المستعرة.
لم يعد بإمكان «ماكري» الترشح بعباءته المناهضة للسياسيين التي كان يرتديها عام 2015، ولا التفاخر بإنجازاته الاقتصادية، لذا فهو يطلب من الناخبين الإيمان بأن إصلاحاته ستحقق نتائج في النهاية. ولا يستطيع «فيرنانديز» أن يعد بالعودة إلى الزمن الجميل لإنهاء البؤس. كلا المرشحين يقولان «صدقوني».. هذا إطار شعبوي وليس برنامجاً، بحسب ما قال «فينشلشتاين».
ولن تؤدي الشعبوية الموهنة إلى إحياء النمو أو دفع الإصلاح. لكن الإجراءات القاسية يمكن أن تساعد. وسيتعين على المرشح المنتخب في أكتوبر، أيا كان، أن يتفاوض على شروط أكثر تساهلاً مع صندوق النقد الدولي والالتزام بالسداد إلى الدائنين.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
لسماع ذلك من الناحية الرسمية، يعد الرئيس الحالي «موريسيو ماكري»، زعيم حزب «دعونا نغير» هو الدعامة الأساسية في البلاد ضد العودة إلى الشعبوية الاستبدادية التي من شأنها أن تحول ثاني أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية إلى «فنزويلا أخرى» على نهر «بليت». ومع ذلك، بالنسبة لخصومه، «ألبيرتو فيرنانديز» و«كريستينا فيرنانديس دي كيتشنر»، يعد «ماكري» هو أداة الليبراليين الجدد الذين سيؤدي تقشفهم إلى خنق الاقتصاد وامتصاص دماء الفقراء، «ماكري» حصل على 32 في المائة من الأصوات في انتخابات الأحد الماضي.
ومعظم هذا ما هو إلا مسرح سياسي لتنشيط المؤمنين في الحزب قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في أكتوبر القادم. ومع ذلك، إذا أخرجنا المتكلفين، فإن ما يتبقى هو معركة بين المرشحَين الأكثر تنافسا بين المرشحين الرئاسيين العشرة للمطالبة بنفس المساحة السياسية الضيقة وتصويت المعتدلين في الوسط. هذا التقارب بين المرشحين هو أكثر من مجرد أسلوب سياسي. فهو يوضح أيضا كيف تغير الناخبون الأرجنتينيون نحو الأفضل، حيث يطالب الناخبون الذين دمرتهم الأزمة بخطط ومقترحات، لا بأشعة القمر. يشكل «ألبيرتو فيرنانديز»، وهو معتدل وتصالحي يرأس جبهة المعارضة، تناقضاً حاداً مع رفيقته في الانتخابات «كريستينا فيرنانديز» –المعروفة للجميع ببساطة باسم كريستينا – وهي عضوة في الحزب البيروني (أو العدلي -حزب سياسي أرجنتيني) والتي تسببت شعبويتها التي دمرت الثروات على مدى ثماني سنوات في شل الاقتصاد وعزلة الملايين من الأرجنتينيين. أما «ماكري»، فهو عازم على تسويق حملته النضالية باسم جديد، حيث اختار «ميجل أنجيل بيتشتو» رفيقا له في الانتخابات، وهو وسيط السلطة التشريعية في الحزب العدلي.
ولا يوجد الكثير من الوضوح بين مواقفهم السياسية. فإذا تعرض «ماكري» للإهانة بسبب إصلاحاته المؤيدة للأعمال، وإجراءات التقشف وإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فماذا يمكن القول عن «فيرنانديز»، وهو براجماتي استقال من منصبه ككبير موظفي «كريستينا» بسبب سياساتها الداعية إلى سيطرة الدولة على الاقتصاد، ومعاركها مع قادة الصناعة ووسائل الإعلام الوطنية. وعندما كانت تشغل منصب الرئيس، كانت «كريستينا» كثيراً ما تنتقد مزارعي الأرجنتين الأقوياء. أما «فيرنانديز» فقد كان يخطب ودهم، حيث اقترح خفض الضرائب على الصادرات الزراعية إذا كان الاقتصاد يحقق نموا.
إن التقارب منطقي في دولة لم يؤد فيها التنافر السياسي إلا إلى تفاقم المحن الاقتصادية المزمنة. فالاقتصاد في حالة ركود، وبلغ معدل البطالة أعلى مستوى في 13 عاما، وتجاوز التضخم 50%. من المؤكد أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تعطي المزارعين الأرجنتينيين صحوة مؤقتة. ومع ذلك، فإن الاضطرابات العالمية تضع ضغطا إضافيا على العملة الأرجنتينية «البيزو» المتقلب، والذي يعتبر بالفعل أضعف عملة في الأسواق الناشئة.
حتى إذا كان المحللون يقولون إن الاقتصاد يستجيب للإصلاحات، فإن التضحية واسعة الانتشار. أفاد استطلاع للرأي أجرته الجامعة الكاثوليكية في الأرجنتين في شهر يونيو أن أكثر من ثلث سكان الأرجنتين الحضريين فقراء ويعيش نصف الأطفال تقريبا على أقل من احتياجاتهم. وفي بيونس آيريس، التي تضم 28% من الناخبين الوطنيين، تعيش أسرة من كل أسرتين في فقر. وتكمل موجة الجريمة في المناطق الحضرية والفساد المجدد هذه اللوحة الكئيبة التي تخلق فرصة للشعبويين.
ولا تكاد الشعبوية الأرجنتينية تموت، لكنها خفت قليلا، كما يتضح من تحول الحملة إلى البيرونية (العدالة الاجتماعية). يقول المؤرخ الأرجنتيني «فيديريكو فينشلشتاين» إن«العلامة التجارية البيرونية موجودة في كل مكان، لكنها حياة الشعبوية». والبيرونية، على أي حال تمتد بشكل مناسب في جميع أرجاء الطيف السياسي. وتتناسب هذه الحركة مع مجتمع لا يزال مغرما بسياسات الشخصية ولكن -ربما لأن ذكريات الديكتاتورية لا تزال حية- فإنه لا يشعر بالراحة مع أيديولوجيات اليوم المستعرة.
لم يعد بإمكان «ماكري» الترشح بعباءته المناهضة للسياسيين التي كان يرتديها عام 2015، ولا التفاخر بإنجازاته الاقتصادية، لذا فهو يطلب من الناخبين الإيمان بأن إصلاحاته ستحقق نتائج في النهاية. ولا يستطيع «فيرنانديز» أن يعد بالعودة إلى الزمن الجميل لإنهاء البؤس. كلا المرشحين يقولان «صدقوني».. هذا إطار شعبوي وليس برنامجاً، بحسب ما قال «فينشلشتاين».
ولن تؤدي الشعبوية الموهنة إلى إحياء النمو أو دفع الإصلاح. لكن الإجراءات القاسية يمكن أن تساعد. وسيتعين على المرشح المنتخب في أكتوبر، أيا كان، أن يتفاوض على شروط أكثر تساهلاً مع صندوق النقد الدولي والالتزام بالسداد إلى الدائنين.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»